Translate

الخميس، 16 أبريل 2020

بشارة إشعياء الاصحاح الثالث والستون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم : 
لقد أخبرنا به رب العزة سبحانه، عن وجود نبوءات يجدها أهل الكتاب في كتبهم، تتحدث عن خاتم النبيين، ورحمة الله للعالمين، صلى الله عليه وسلم..

( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ) الأعراف 157

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة 146

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) الأنعام 20

فبالرغم من حرص أهل الكتاب على إخفاء كل إشارة لديهم، وطمس أي دليل في كتبهم، يشير إلى نبوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلا أن إرادة الله العظيم، وتدبيره الحكيم، قد اقتضيا، أن تظل بعض نصوص التوراة والانجيل، أدلة شاهدة على صدق النبوة، وبراهين ساطعة على قدسية الرسالة ؛ وذلك كي يصدق الله وعده، ويقضي أمره، وينفذ مشيئته، ومن أوفى بعهده من الله..

والنبوءة التي نقصدها هي ما ورد في التوراة في سفر أشعياء في بداية الإصحاح الثالث والستين :

63: 1 من ذا الاتي من ادوم، بثياب حمر من بصرة، هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته ؟! انا المتكلم بالبر العظيم للخلاص.. 63: 2 ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة ؟! 63: 3 قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد ؛ فدستهم بغضبي، ووطئتهم بغيظي، فرش عصيرهم على ثيابي، فلطخت كل ملابسي

والنص كما نرى يأخذ طابغا بلاغيا وكأنه حوار يبدأ بتساؤل موجه إلى شخص عظيم من علاماته أنه قادم من إدوم، بثياب حمر من بصرة، ومن صفاته أنه بهي بملابسه، متعظم في كثرة قوته، فيرد ذلك الشخص مجيبا عن نفسه قائلا : أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص، فيوجه له سؤال آخر : ما بال لباسك محمرة وثيابك كدائس المعصرة، فيرد قائلا : قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد ؛ فدستهم بغضبي، ووطئتهم بغيظي، فرش عصيرهم على ثيابي، فلطخت كل ملابسي..

إذن يتحدث النص عن مكانين، أحدهما يأتي منه الشخص المقصود، وهذا المكان هو إدوم ( من ذا الآتي من إدوم ؟ )، والمكان الآخر يأتي منه الثياب الذي يرتديه هذا الشخص وهذا المكان هو بصرة ( بثياب حمر من بصرة )، وبعد ذلك يتحدث النص عن صفات ذلك الشخص أنه يتكلم بكلام عظيم يخلص الناس وينجيهم (أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص)، وأنه يخرج في كثرة قوته( المتعظم في كثرة قوته )، ويسحق الشعوب المتمردة على ربها، وينتصر عليهم ( قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد ؛ فدستهم بغضبي، ووطئتهم بغيظي، فرش عصيرهم على ثيابي، فلطخت كل ملابسي )..

وقبل أن نفسر النص تفسيرا علميا محايدا، نبين أولا ما قاله اليهود والنصارى في تفسير هذا النص..

اليهود ادعوا أن هذا النص يخص نبيا لهم، يخرج في آخر الزمان، لكي يقيم دولة اليهود الكبرى ويسحق كل شعوب الأرض، وما زالوا ينتظرونه إلى الآن..

بينما قال النصارى أن النبي المقصود هو المسيح عليه السلام، ولأن المسيح ليس له أدنى علاقة بإدوم أو ببصرة، ولم يكن له قوة يخرج فيها، ولم يحارب أيا من شعوب الأرض وينتصر عليهم، فقد لجأوا إلى تفسير رمزي للنص، فقالوا أن إدوم رمز للشيطان لأن إدوم من الشعوب التي حاربت بني إسرائيل !!، وقالوا أن معنى أن ذلك النبي يأتي من إدوم التي هي رمز للشيطان أنه سيأتي ليغلب الشيطان وينتصر عليه !!!، وقالوا أن هزيمة الشعوب وسحقهم هي هزيمة رمزية لانتصار الحق على الباطل !!

هذا ما قاله اليهود والنصارى من تفسير لا يستند إلى أي حقيقة علمية، أو حجة عقلية ؛ فاليهود نسبوا النص لنبيهم الذي لم يظهر بعد ، هكذا دون دليل، بينما نسبه النصارى للمسيح كالمعتاد وبلا دليل أيضا، بل لجأوا لتفسيرات رمزية، وضلالات عقلية، لا تمت للواقع بصلة، وهذا هو نهجهم ودربهم على مر العصور، يعشقون الخرافات، ويدمنون الخزعبلات، ويخرجون علينا كما هو حالهم دائما، بكل ما يخالف العقل السليم والمنطق القويم..

ولكي نتعرف عن النبي المقصود في النص بطريقة علمية محايدة دون اللجوء إلى تفسيرات رمزية لا يقبلها العقل ولا تستند إلى أي ثوابت منطقية كما فعل النصارى، ودون اللجوء لادعاءات وأمنيات لا تستند لدليل كما فعل اليهود، فعلينا أن نبين معنى كل كلمة وردت في النص من مراجع علمية وتاريخية..

أولا ما هي إدوم ؟

تقول موسوعة طرق التجارة القديمة ANCIENT TRADE ROUTES (وهي موسوعة عالمية ضخمة تتحدث عن الطرق التجارية القديمة وعن ممالك العالم القديم) :

EDOM e’-dom GEOGRAPHY The country of Edom began at a line from the south end of the Dead Sea stretched to the Arabian Desert areas to the east. From this line, Edom claimed all the land south to the Red Sea, and farther along the east coast of the Red Sea.

http://www.ancientroute.com/empire/edom.htm

(إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء العربية إلى الشرق، ومن هذا الخط امتدت إدوم لتشمل كل الأراضى جنوبا إلى البحر الأحمر والأراضي على طول الساحل الشرقي للبحر الأحمر )..

إذن وفقا لموسوعة طرق التجارة القديمة فإن إدوم شملت كلا من الأردن بالإضافة إلى الأراضي الممتدة على الساحل الشرقي للبحر الأحمر والتي تشمل الحجاز واليمن معا..

هذا ما قالته موسوعة طرق التجارة القديمة ولكن ماذا يقول الكتاب المقدس ؟

بالرغم من التقليد الشائع عند النصارى بأن إدوم كانت تشمل منطقة الأردن فقط إلا أن التدقيق في نصوص الكتاب المقدس، وفي الأقوال المعتمدة لقواميس الكتاب المقدس وفي المصادر العلمية المحايدة، يثبت أن إدوم شملت الأردن وأيضا الحجاز واليمن..

يقول قاموس الكتاب المقدس EASTON BIBLE DICTIONARY ما نصه :

(The southern part of Edom was known as Teman).

http://www.biblestudytools.com/dictionaries/eastons-bible-dictionary/edom.html

( الجزء الجنوبي من إدوم كان يدعى تيمان )..

وتيمان كما ورد في الإنجيل على لسان المسيح عليه السلام هي سبأ..

إنجيل متى 12: 42 (ملكة التيمان ستقوم في الدين مع هذا الجيل و تدينه لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان)..

وسبأ مملكة مذكورة في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن المتعارف عليه أن موقعها الحالي هو أرض اليمن..

إذن تيمان التي مثلت الجزء الجنوبي من إدوم هي اليمن وفقا للسيد المسيح عليه السلام..

وتقول أيضا الموسوعة الشهيرة ويكيبديا WIKIPEDIA أن تيمان هي اليمن:

Yemenite Jews Standard Hebrew Temanim , are those Jews who live in Yemen, standard Hebrew Teman, They are considered a subdivision of Mizrahi Jews.

http://en.wikipedia.org/wiki/Jews_in_Yemen

(اليهود اليمنيون يسمون بالعبرية التيمانيون وهم اليهود الذين يعيشون الآن في اليمن والتي تسمى في العبرية تيمان، وهم ينتمون إلى طائفة اليهود المزراحية)..

وتؤكد الموسوعة اليهودية جويش إنسيكلوبيديا JEWS ENCYCLOPEDIA أيضا نفس الأمر وهو أن تيمان التي مثلت الجزء الجنوبي من إدوم هي اليمن، حيث تقول عن رحالة يهودي شهير :

CARASSO, DAVID SAMUEL Jewish traveler; born at Salonica, Turkey. On the occasion of a business trip to Yemen, Arabia, in 1874, he studied the situation of the Jews of that region, and published an account of his travels in a volume written in Judæo-Spanish, entitled "Zikron Teman ó el Viage en el Yémen

http://www.jewishencyclopedia.com/vi...d=141&letter=C

(كارازو ديفيد صمويل رحالة يهودي ولد في سالونيكا بتركيا، وقام برحلة إلى اليمن بالجزيرة العربية سنة 1874، ودرس حالة اليهود في تلك المنطقة ودونها في مؤلف أسماه ذيكرون تيمان، رحلتي إلى اليمن).

إذن يتبين لنا مما سبق، أن مملكة إدوم التي جاء منها ذلك النبي العظيم الذي يتكلم عنه النص، كانت في ذلك الوقت مملكة ممتدة، شملت الأردن والحجاز واليمن، وذلك وفقا لأقوال المسيح عليه السلام، وقواميس الكتاب المقدس، والمصادر العلمية المحايدة كما بينا.. وبناء على ذلك نستنتج بداهة أن النبي الذي يشير إليه النص ويخبر أنه قادم من إدوم هو نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم، لأن إدوم شملت أرض الحجاز التي خرج منها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.. ثانيا ما هي بصرة ؟ بصرة ( تقرأ بضم الباء )، وتكتب بصرة، وبصرى، هي مدينة سورية قديمة معروفة، يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وذكرتها كل المراجع والمصادر التاريخية التي تتحدث عن البلاد والمدن القديمة.

تقول الموسوعة الحرة

WIKIPEDIA : Bosra, also, Bosrana, Bozrah …., is an ancient city administratively belonging to the Daraa governorate in southern Syria, … The settlement was first mentioned in the documents of Tutmose, and Akhenaton (14th century BC), Bosra was the first Nabatean city in the 2nd century BC …In 106 under the Roman Empire … The city flourished and became a major metropolis at the juncture of several trade routes.

http://en.wikipedia.org/wiki/Bosra

( بصرى ، تدعى أيضا بصرة، وبصرانا، مدينة قديمة تخص الآن محافظة درعا جنوب سوريا... أول ذكر لها كان في وثائق تتموز الثالث وإخناتون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وكانت مدينة الأنباط الأولى في القرن الثاني قبل الميلاد، وقد وقعت تحت حكم الإمبراطورية الرومانية...، ولقد ازدهرت المدينة وأصبحت عاصمة كبرى عند ملتقى طرق تجارية عديدة..... ).



ولكن ما علاقة النبي المذكور في نص أشعياء ببصرة أو بصرى ؟

النص يقول : من ذا الآتي من إدوم، بثياب حمر من بصرة ؟

ومن المعروف أن مدينة بصرى أو بصرة كانت مركزا تجاريا كبيرا تأتيها القوافل من كل مكان للتجارة وشراء الثياب والبضائع، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتدي ثيابا من بصرة ؟!

لكي نجيب على هذا السؤال كان لابد من الرجوع إلى المصادر الإسلامية الأولى.. القرآن الكريم يخبرنا أن الله قد أنعم على قريش برحلتين للتجارة إحداهما في الشتاء والأخرى في الصيف : ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ).

تفسير ابن كثير حدثني محمد بن المثنى, قال: ثني ابن عبد الأعلى, قال: ثنا داود, عن عكرمة قال: كانت قريش قد ألفوا بصرى واليمن يختلفون إلى هذه في الصيف, وإلى هذه في الشتاء.

التفسير الكبير المسمى البحر المحيط لصاحبه أثير الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الأندلسي روي عن ابن عباس قوله عن رحلتي قريش للتجارة في الشتاء والصيف، رحلة إلى اليمن، ورحلة إلى بصرى. تفسير الدر المنثور للسيوطي أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كانت قريش تتجر شتاء وصيفا فتأخذ في الصيف فيأخذون قبل بصرى وأذرعات يلتمسون البرد.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : كانت قريش قد ألفوا رحلة إلى بصرى ورحلة إلى اليمن. كما نرى فإن المصادر الإسلامية الأولى تخبرنا أن بصرى كانت من المدن التجارية الهامة، التي يشد أهل مكة لها الرحال ، فتخرج إليها قوافلهم ، تنشد التجارة، والبيع والشراء، ومن البديهي أن تكون الثياب في مقدمة هذه البضائع، ومن البديهي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم مثله مثل باقي أهل مكة يرتدي هذه الثياب القادمة مع القوافل من مدينة بصرى..

ويمكرون ويمكر الله

هذا هو تدبير الله العظيم، وصنيعه الحكيم ؛ فلو كانت هذه النبوءة المذكورة في سفر أشعياء، والذي يرجع تاريخه إلى سبعمائة عام قبل الميلاد - مذكورة بصورة صريحة، لما سلمت من تبديل وتحريف أهل الكتاب، حتى لا تحمل النبوءة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله العلي القدير، أراد بحكمته أن تأتي النبوءة بصورة تحتاج للبحث والتدقيق، حتى يفهم معناها، ويعرف مغزاها، لكي يحفظها لنا كما هي كل هذه القرون الطوال، سالمة من التحريف والتغيير، فسبحان من أعمى عنها أعين المحرفين المبدلين الذين وصفهم ونهجهم دائما أنهم : (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)آل عمران 78

الصفات الواردة في النص :

إذن لا مفر من أن النبي المقصود في تلك النبوءة هو نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو قد جاء من مكان شملته مملكة إدوم كما بينا، وكان يلبس ثيابا من بصرة مثله مثل باقي أهل مكة، ولكن هل هذا كل ما في النص ؟

ليس هذا كل ما في النص، فما زالت هناك صفات أخرى لذلك النبي المقصود.. 63: 1 من ذا الاتي من ادوم، بثياب حمر من بصرة، هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته ؟! انا المتكلم بالبر العظيم للخلاص.. 63: 2 ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة ؟! 63: 3 قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد ؛ فدستهم بغضبي، ووطئتهم بغيظي، فرش عصيرهم على ثيابي، فلطخت كل ملابسي من هذه الصفات كما نرى أن له ثيابا حمراء، عندما يرتديها يظهر فيها جماله وبهاؤه، فهل كان ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ؟

عن البراء رضي الله عنه أنه قال في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه) متفق عليه.

إذن هذا الحديث المتفق على صحته يبين لنا أن تلك الصفة الواردة في النص منطبقة عليه تمام الانطباق ! ليس هذا فقط، النص يخبرنا أيضا أنه هو المتكلم بالبر العظيم للخلاص، فهل هذه من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ تالله إن هذه هي أظهر صفاته وأوضح سماته ؛ فلقد تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بالبر العظيم الذي يخلص العالم وينجي الخلق من تعب الدنيا، وعذاب الآخرة، لقد نطق النبي بالقرآن العظيم، الذي جاء تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمحسنين، يخرج الناس من ظلمات الوثنية والشرك إلى عبادة الله الحق، يخرج البشرية المعذبة بعبادة الأوثان إلى النجاة والفوز بعبادة الرحمن، وهل هناك كلام بالبر العظيم للخلاص والنجاة والحياة، خير مما جاء به خير رسل الإله ؟!!

ليس هذا كل شيء، النص يخبر أيضا أن ذاك النبي يخرج في كثرة قوته، ويسحق الشعوب المتمردة على ربها وينتصر عليهم، وجاء ذلك في صورة بلاغية رائعة، حيث شبه انتصاره على الشعوب وسحقه لهم بمن يدوس المعصرة فيسيل العصير منها ويلطخ به ملابسه (قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد ؛ فدستهم بغضبي، ووطئتهم بغيظي، فرش عصيرهم على ثيابي، فلطخت كل ملابسي) وهذه صورة بلاغية تبين مدى الانتصار العظيم ومدى اندحار شعوب الكفر وانسحاقهم في مواجهة ذاك النبي، فهل ذلك من صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخرج في كثرة قوته، ويسحق الشعوب المتمردة على ربها وينتصر عليهم ؟

إن هذا الأمر لا يختلف عليه مسلم ولا كافر، هذا ما سجله التاريخ، وأقره الواقع، وشهد به العالم، لقد جاهد النبي صلى الله عليه وسلم أعداء الله حق الجهاد، فبلغ عدد الغزوات في حياته فقط سبع وعشرون غزوة، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم توالت الانتصارات والفتوحات، سقطت فارس في قبضته، ولم تنج الروم من بطش قوته، وجابت جيوشه الأرض شرقا وغربا، تعلن للعالم كلمة التوحيد، وتخلص الأرض من أوساخ الوثنية، ومن أدران الكفر والشرك، والسجود لغير الله الحق.. تلك هي صفاته التي لم تعط لأحد قبله، فكما قال النص، أنه هو المتكلم بالبر العظيم للخلاص، فهو أيضا من يسحق الشعوب المتمردة على ربها ويغلبهم وينتصر عليهم. لقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى يديه كتاب حكيم، يهدي إلى الحق والبر وإلى صراط مستقيم، وفي اليد الأخرى سيف بتار، يغلب به أعداء الله، ويصد بأسهم، ويقوض عروشهم، ويزلزل الأرض من تحتهم..

فكما قال الله فيه (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)النساء 113 (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)الأنبياء 107 (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ )آل عمران 159 فقد قال فيه ايضاً (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) الأنفال 17 (انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) التوبة 41 (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) الحشر 2.

كما أعطاه الله الكتاب والحكمة، والهداية والرحمة، والرأفة في الفعل والقول، أعطاه أيضا البأس والقوة، والنصر والعزة، وأظفره بالرعب من مسيرة شهر !!

انتشار أم ظهور يخرج علينا بعض الكارهين للإسلام والحاقدين على رسوله بشبهة أن الإسلام قد انتشر بالسيف، ويستندون إلى تلك النصوص التي تأمر بالجهاد وتحث على قتال أعداء الله، ويستندون أيضا إلى ما سجله التاريخ من غزوات عديدة خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وحروب كثيرة خاضها الصحابة من بعده، وفتحهم للبلدان في مشارق الأرض ومغاربها.. وهذه ليست أكثر من شبهة باطلة، وحجة داحضة ؛ فالجهاد في الإسلام كان نوعين، جهاد دفع ويقصد به دفاع المسلمين عن أنفسهم ضد من يبدأ بقتالهم، وجهاد طلب، والأخير كان لإظهار دين الله في الأرض وليس لإجبار أحد على الدخول فيه، فالدين دين الله والأرض أرض الله والناس جميعا خلق الله فلابد أن يخضع خلق الله جميعا لدين الله في أرض الله.. ولا صلاح إذن للأرض ولا للخلق إلا تحت راية دين الحق.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة 33 (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) الفتح 28 (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة 29 ولذلك عندما كان المسلمون يفتحون قطرا من الأقطار كانوا يخيرون أهله بين أمرين إما الدخول في الإسلام وبذلك يصبحون كالمسلمين في كل شيء لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإما القبول بظهور الإسلام عليهم وخضوعهم لحكمه ودفع الجزية بدلا عن الزكاة المفروضة على المسلمين وكمقابل للدفاع عنهم وحمايتهم، فإن أبوا الأمرين وجب قتالهم وحربهم حتى يقبلوا الجزية والخضوع وهم صاغرون بعد أن كان الأمر متاحا أن يقبلوه وهم محفوظة حرمتهم غير مهدورة كرامتهم.. والخضوع والظهور هو قبول بحكم الإسلام واستعلائه في الأرض وليس معنى إخضاع الأرض والخلق لحكم الله هو إكراه أحد على الدخول فيه فالإيمان والكفر مسألة قلبية محضة ولا إجبار لأحد على التصديق بعقيدة لا يؤمن بها..

( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّين ِ) البقرة 256 ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) الكهف 29 ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) يونس 99 ولذلك جاءت النبوءة التي ذكرناها توضح هذا المعنى وترسخه، فكما أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بالبر العظيم الذي يخلص الناس وينجيهم ويهديهم إلى الحق، أخبرت أيضا عن خوضه للحروب والانتقام من أعداء الله والانتصار عليهم وإظهار دين الله في الأرض.. يا رب، كما أنعمت علينا ببعثته، وشرفتنا بحمل رسالته، بلغه منا بالغ التقدير.. والشكر الجزيل.. واجزه يا رب عما فعله من أجلنا.. خير ما جزيت نبيا عن أمته.. ورسولا عن دعوته.. وصلي عليه يا ربنا وسلم تسليما كثيرا..
و ربما كانت هذه النبوءة و الإشارة إلى بصرى فيها هى أحد أسباب ظن البعض أن النبي المنتظر يخرج من الشام بسبب تفسير النبوة بشكل خاطئ حتى جاء النبي الحق ففهموا المقصود وذلك كما جاء فى رسالة المقوقس صاحب مصر للنبي صلى الله عليه و سلم :
"لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط. سلام عليك. أما بعد. فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت وما تدعو اليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وكنت أظن أنه يخرج من الشام. وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام."
وليس هذا كل شيء، فالنص يخبر أيضاً أن ذاك النبي يخرج في كثرة قوته، ويسحق الشعوب المتمردة على ربها وينتصر عليهم، وجاء ذلك في صورة بلاغية رائعة، حيث شبه انتصاره على الشعوب وسحقه لهم بمن يدوس المعصرة فيسيل العصير منها ويلطخ به ملابسه (قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد ؛ فدستهم بغضبي، ووطئتهم بغيظي، فرش عصيرهم على ثيابي، فلطخت كل ملابسي) وهذه صورة بلاغية تبين مدى الانتصار العظيم ومدى اندحار شعوب الكفر وانسحاقهم في مواجهة ذاك النبي
{فدستهم بغضبي، ووطئتهم بغيظي }قال الله تعالى {" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّار وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) " الفتح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نبوءات سفر إشعياء ٢١ : ١٣ وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ، يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِ...